تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار، ودخوله في حيزه، وانخراطه في سلكه، وهو قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ ﴾ ( محمد : ١٤ ) فكأنه قيل : أمثل الجنة كمن هو خالد في النار، أي كمثل جزاء من هو خالد في النار. فإن قلت : فلم عرّى في حرف الإنكار ؟ وما فائدة التعرية ؟ قلت : تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّى بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم. ونظيره قول القائل :% ( أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الْكِرَامَ وَأَن % أُورَثَ ذُوداً شَصَائِصاً نَبَلاً ) %
هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود، مع تعريه عن حرف الإنكار لانطوائه تحت حكم قول من قال : أتفرح بموت أخيك وبوراثة إبله، والذي طرح لأجله حرف الإنكار إرادة أن يصوّر قبح ما أزن به فكأنه قال له : نعم مثلى يفرح بمرزأة الكرام وبأن يستبدل منهم ذوداً يقل طائلة وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار، ومثل الجنة : صفة الجنة العجيبة الشأن، وهو مبتدأ، وخبره : كمن هو خالد. وقوله : فيها أنهار، داخل في حكم الصلة كالتكرير لها. ألا ترى إلى صحة قولك : التي فيها أنهار. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف هي فيها أنهار، وكأن قائلاً قال : وما مثلها ؟ فقيل : فيها أنهار، وأن يكون في موضع الحال، أي : مستقرّة فيها أنهار، وفي قراءة علي رضي الله عنه ( أمثال الجنة ) أي : ما صفاتها كصفات النار. وقرىء :( أسن ) يقال : أسن الماء وأجن : إذا تغير طعمه وريحه. وأنشد ليزيد بن معاوية :% ( لَقَدْ سَقَتْنِي رُضَاباً غَيْرَ ذِي أَسن % كَالمِسْكِ فُتَّ عَلَى مَاءِ الْعَنَاقِيدِ