فيكون المعنى : انتهوا عما نهيتهم عنه لحبوط أعمالكم، أي : لخشية حبوطها على تقدير حذف المضاف، كقوله تعالى :﴿ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ ( النساء : ١٧٦ ) والثاني : أن يتعلق بنفس الفعل، ويكون المعنى : أنهم نهوا عن الفعل الذي فعلوه لأجل الحبوط، لأنه لما كان بصدد الأداء إلى الحبوط : جعل كأنه فعل لأجله، وكأنه العلة والسبب في إيجاده على سبيل التمثيل، كقوله تعالى :﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً ﴾ ( القصص : ٨ ) فإن قلت : لخص الفرق بين الوجهين. قلت : تلخيصه أن يقدر الفعل في الثاني مضموماً إليه المفعول له، كأنهما شيء واحد، ثم يصب النهي عليهما جميعاً صباً. وفي الأوّل يقدر النهي موجهاً على الفعل على حياله، ثم يعلل له منهياً عنه. فإن قلت : بأي النهيين تعلق المفعول له ؟ قلت : بالثاني عند البصريين، مقدراً إضماره عند الأوّل، كقوله تعالى :﴿ اتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ ( الكهف : ٩٦ ) وبالعكس عند الكوفيين، وأيهما كان فمرجع المعنى إلى أنّ الرفع والجهر كلاهما منصوص أداؤه إلى حبوط العمل : وقراءة ابن مسعود :( فتحبط أعمالكم ) أظهر نصاً بذلك ؛ لأنّ ما بعد الفاء لا يكون إلا مسبباً عما قبله، فيتنزل الحبوط من الجهر منزلة الحلول من الطغيان في قوله تعالى :﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى ﴾ ( طه : ٨١ ) والحبوط من حبطت الإبل : إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها، وربما هلكت. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :
( ١٠٦٣ ) وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حَبَطاً أو يُلِمُ ومن أخواته، حبجت الإبل ) إذا أكلت العرفج فأصابها ذلك. وأحبض عمله : مثله أحبطه. وحبط الجرح وحبر : إذا غفر، وهو نكسه وتراميه إلى الفساد : جعل العمل السيء في إضراره بالعمل الصالح كالداء والحرص لمن يصاب به، أعاذنا الله من حبط الأعمال وخيبة الآمال.