المكافة والموادعة، فإن لم تتحاجزا ولم تصطلحا وأقامتا على البغي : صير إلى مقاتلتهما، وإما أن يلتحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما. وكلتاهما عند أنفسهما محقة، فالواجب إزالة الشبهة بالحجج النيرة والبراهين القاطعة، وإطلاعهما على مراشد الحق. فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا من اتباع الحق بعد وضوحه لهما، فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين. وإما أن تكون إحداهما الباغية على الأخرى ؛ فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينهما وبين المبغى عليها بالقسط والعدل، وفي ذلك تفاصيل : إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها : ضمنت بعد الفيئة ما جئت ؛ وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة، لم تضمن إلا عند محمد بن الحسن رحمه الله ؛ فإن كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت. وأمّا قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها، فما جنته ضمنته عند الجميع، فمحمل الإصلاح بالعدل في قوله تعالى :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ ﴾ على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل، وعلى قول غيره : وجهه أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد، والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات : ليس بحسن الطباق للمأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط. فإن قلت : فلم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأوّل ؟ قلت : لأنّ المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين معاً أو راكبتي شبهة، وأيتهما كانت ؛ فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما : إصلاح ذات البين، وتسكين الدهماء بإرادة الحق والمواعظ الشافية، ونفي الشبهة ؛ إلا إذا أصرتا، فحينئذٍ تجب المقاتلة. وأما الضمان فلا يتجه، وليس كذلك إذا بغت إحداهما ؛ فإنّ الضمان متجه على الوجهين المذكورين ﴿ وَأَقْسِطُواْ ﴾ أمر باستعمال القسط على طريق العموم بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين، والقول فيه مثله في الأمر باتقاء الله على عقب النهي عن التقديم بين يديه، والقسط بالفتح : الجور من القسط : وهو اعوجاج في الرجلين. وعود قاسط : يابس. وأقسطته الرياح. وأمّا القسط بمعنى العدل، فالفعل منه : أقسط، وهمزته للسلب، أي : أزال القسط وهو الجور.
! ٧ < ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ > ٧ !
< < الحجرات :( ١٠ ) إنما المؤمنون إخوة..... > > هذا تقرير لما ألزمه من تولى الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين، وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق : ما إن لم يفضل