وإن كانوا لا يستأهلونها، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم. فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة. ويجوزأن يراد : إيمان الذرية الداني المحل، كأنه قال : بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم. وقرىء :( وأتبعتهم ذريتهم وأتبعتهم ذريتهم ). وذرياتهم : وقرىء :( ذرياتهم ) بكسر الذال. ووجه آخر : وهو أن يكون ﴿ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ ﴾ وما بينهما اعتراض ﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ ﴾ وما نقصناهم. يعني : وفرنا عليهم جميع ما ذكرنا من الثواب والتفضل، وما نقصناهم من ثواب عملهم من شيء. وقيل معناه : وما نقصناهم من ثوابهم شيئاً نعطيه الأبناء حتى يلحقوا بهم، إنما ألحقناهم بهم على سبيل التفضل. قرىء :( ألتناهم ) وهو من بابين : من ألت يألت، ومن ألات يليت، كأمات يميت. وآلتناهم، من آلت يؤلت، كآمن يؤمن. ولتناهم، من لات يليت. وولتناهم، من ولت يلت. ومعناهنّ واحد ﴿ كُلٌّ * امْرِىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ﴾ أي مرهون، كأن نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو مطالب به، كما يرهن الرجل عبده بدين عليه، فإن عمل صالحاً فكها وخلصها، وإلا أوبقها ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُم ﴾ وزدناهم في وقت بعد وقت ﴿ يَتَنَازَعُونَ ﴾ يتعاطون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم وإخوانهم ﴿ كَأْساً ﴾ خمراً ﴿ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا ﴾ في شربها ﴿ وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾ أي لا يتكلمون في أثناء الشرب بسقط الحديث وما لا طائل تحته كفعل المتنادمين في الدنيا على الشراب في سفههم وعربدتهم، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله، أي : ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش، وإنما يتكلمون بالحكم والكلام الحسن متلذذين بذلك، لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة، وهم حكماء علماء. وقرىء :( لا لغو فيها ولا تأثيم ) ﴿ غِلْمَانٌ لَّهُمْ ﴾ أي مملوكون لهم مخصوصون بهم ﴿ مَّكْنُونٌ ﴾ في الصدف، لأنه رطباً أحسن وأصفى. أو مخزون لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة. وقيل لقتادة : هذا الخادم فكيف المخدوم ؟ فقال : قال رسول الله ﷺ :
( ١٠٩٤ ) ( والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وعنه عليه الصلاة والسلام :
( ١٠٩٥ ) ( إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه :

__________


الصفحة التالية
Icon