الحسنات والشمال لكاتب السيئات ؛ ووعد المحسن أن يؤتى كتابه بيمينه، والمسيء أن يؤتاه بشماله : استعيرت لجهة الخير وجانبه، فقيل : أتاه عن اليمين، أي : من قبل الخير وناحيته، فصدّه عنه وأضلّه. وجاء في بعض التفاسير : من أتاه الشيطان من جهة اليمين : أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق. ومن أتاه من جهة الشمال : أتاه من قبل الشهوات. ومن أتاه من بين يديه : أتاه من قبل التكذيب بالقيامة وبالثواب والعقاب. ومن أتاه من خلفه : خوّفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده ؛ فلم يصل رحماً ولم يؤد زكاة. فإن قلت : قولهم : أتاه من جهة الخير وناحيته : مجاز في نفسه، فكيف جعلت اليمين مجازاً عن المجاز ؟ قلت : من المجاز ما غلب في الاستعمال حتى الحق بالحقائق، وهذا من ذاك ؛ ولك أن تجعلها مستعارة للقوّة والقهر ؛ لأنّ اليمين موصوفة بالقوة، وبها يقع البطش. والمعنى : أنكم كنتم تأتوننا عن القوّة والقهر، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه. وهذا من خطاب الأتباع لرؤسائهم، والغواة لشياطينهم ﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ بل أبيتم أنتم الإيمان وأعرضتم عنه، مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر. غير ملجئين إليه ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ ﴾ من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم ﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً ﴾ مختارين الطغيان ﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا ﴾ فلزمنا ﴿ قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ﴾ يعني : وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة، ولو حكى الوعيد كما هو لقال : إنكم لذائقون، لكنه عدل به إلى لفظ المتكلم ؛ لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم. ونحوه قول القائل :% ( لَقَدْ زَعَمَتْ هَوَازِنُ قَلَّ مَالِي ;
ولو حكى قولها لقال : قل مالك. ومنه قول المحلف للحالف : احلف لأخرجنّ، ولتخرجنّ : الهمزة لحكاية لفظ الحالف، والتاء لإقبال المحلف على المحلف ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾ فدعونا إلى الغي دعوة محصلة للبغية، لقبولكم لها واستجابتكم الغيّ على الرشد ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا ﴿ فَإِنَّهُمْ ﴾ فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية ﴿ إِنَّا ﴾ مثل ذلك الفعل ﴿ نَفْعَلُ ﴾ بكل مجرم، يعني أنّ سبب العقوبة هو الإجرام، فمن ارتكبه استوجبها { إِنَّهُمْ