طلعها ﴿ فَمَالِئُونَ ﴾ بطونهم، لما يغلبهم من الجوع الشديد، أو يقسرون على أكلها وإن كرهوها، ليكون باباً من العذاب ؛ فإذا شبعوا غلبهم العطش فيسقون شراباً من غساق أو صديد، شوبه : أي مزاجه ﴿ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ يشوي وجوههم ويقطع أمعاءهم، كما قال في صفة شراب أهل الجنة ﴿ وَمِزَاجُهُ مِن ﴾ ( المطففين : ٢٧ ) وقرىء :( لشوبا ) بالضم، وهو اسم ما يشاب به، والأوّل تسمية بالمصدر. فإن قلت : ما معنى حرف التراخي في قوله :﴿ الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً ﴾ وفي قوله :﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ ﴾ ؟ قلت : في الأوّل وجهان، أحدهما : أنهم يملؤن البطون من شجر الزقوم، وهو حارّ يحرق بطونهم ويعطشهم، فلا يسقون إلا بعد ما مليّ تعذيباً بذلك العطش، ثم يقسون ما هو أحرّ وهو الشراب المشوب بالحميم. والثاني : أنه ذكر الطعام بتلك الكراهة والبشاعة، ثم ذكر الشراب بما هو أكره وأبشع، فجاء بثم للدلالة على تراخي حال الشراب عن حال الطعام ومباينة صفته لصفته في الزيادة عليه. ومعنى الثاني : أنهم يذهب بهم عن مقارّهم ومنازلهم في الجحيم، وهي الدركات التي أسكنوها إلى شجرة الزقوم، فيأكلون إلى أن يتملؤا، ويسقون بعد ذلك، ثم يرجعون إلى دركاتهم، ومعنى التر اخي في ذلك بين : وقرىء :( ثم إن منقلبهم ) ثم إن مصيرهم، ثم إن منفذهم إلى الجحيم : علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها بتقليد الآباء في الدين، واتباعهم إياهم على الضلال، وترك اتباع الدليل، والإهراع : الإسراع الشديد، كأنهم يحثون حثاً. وقيل : إسراع فيه شبه بالرعدة.
! ٧ < ﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاٌّ وَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ٧١ ) ولقد ضل قبلهم..... > > ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل قومك قريش. ﴿ مُّنذِرِينَ ﴾ أنبياء حذروهم العواقب. ﴿ الْمُنْذَرِينَ ﴾ الذين أنذروا وحذروا، أي أهلكوا جميعاً ﴿ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ ﴾ ( الذين آمنوا منهم وأخلصوا دينهم لله ) أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين.
! ٧ < ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاٌّ خِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاٌّ خَرِينَ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ٧٥ ) ولقد نادانا نوح..... > > لما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين، أتبع ذلك ذكر نوح ودعائه حين آيس من قومه، واللام الداخلة على نعم جواب قسم محذوف، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره : فوالله لنعم المجيبون نحن. والجمع دليل العظمة

__________


الصفحة التالية
Icon