فأدركوها فجحدت وحلفت، فهموا بالرجوع فقال علي رضي الله عنه : والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله، وسل سيفه، وقال : أخرجي الكتاب أو تضعي رأسك، فأخرجته من عقاص شعرها. وروى أن رسول الله ﷺ أمّن جميع الناس يوم الفتح إلا أربعة : هي أحدهم، فاستحضر رسول الله حاطباً وقال : ما حملك عليه ؟ فقال : يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ نصحتك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ؛ ولكني كنت أمرأ ملصقاً في قريش. وروى : عزيزاً فيهم، أي : غريباً، ولم أكن من أنفسها، وكل من معكم من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون أهاليهم وأموالهم غيري، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمت أن الله تعالى ينزل عليهم بأسه. وأن كتابي لا يغني عنهم شيئاً، فصدقه وقبل عذره، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ؛ فقال :( وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ففاضت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم، فنزلت، عدى ( اتخذ ) إلى مفعوليه، وهما عدوي، أولياء. والعدوّ : فعول، من عدا ؛ كعفوّ من عفا ؛ ولكونه على زنه المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد. فإن قلت :﴿ تُلْقُونَ ﴾ بم يتعلق ؟ قلت : يجوز أن يتعلق بلا تتخذوا حالاً من ضميره ؛ وبأولياء صفة له. ويجوز أن يكون استئنافاً. فإن قلت : إذا جعلته صفة لأولياء وقد جرى على غير من هوله، فأين الضمير البارز وهو قولك : تلقون إليهم أنتم بالمودّة ؟ قلت : ذلك إنما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال، لو قيل : أولياء ملقين إليهم بالمودّة على الوصف. لما كان بد من الضمير البارز ؛ والإلقاء عبارة عن إيصال المودّة والإفضاء بها إليهم : يقال ألقى إليه خراشي صدره، وأفضى إليه بقشوره. والباء في ﴿ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ إما زائدة مؤكدة للتعدي مثلها في ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ ( البقرة : ١٩٥ ) وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف، معناه : تلقون إليهم أخبار رسول الله بسبب المودّة التي بينكم وبينهم. وكذلك قوله :﴿ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ أي : تفضون إليهم بمودتكم سراً. أو تسرون إليهم أسرار رسول الله بسبب المودّة. فإن قلت :﴿ وَقَدْ كَفَرُواْ ﴾ حال مماذا ؟ قلت : إما من ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ ﴾ وإما من ﴿ تُلْقُونَ ﴾ أي : لا تتولوهم أو توادّونهم وهذه حالهم. و ﴿ يُخْرِجُونَ ﴾ استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوّهم. أو حال من كفروا. و ﴿ أَن تُؤْمِنُواْ ﴾ تعليل