نزل، وكان ذلك بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه أحد. وعند صاحبيه والشافعي : لا بد من كلام يسمى خطبة. فإن قلت : كيف يفسر ذكر الله بالخطبة وفيها ذكر غير الله ؟ قلت : ما كان من ذكر رسول الله ﷺ والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر الله، فأمّا ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم، وهم أحقاء بعكس ذلك ؛ فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر الله على مراحل، وإذا قال المنصت للخطبة لصاحبه ( صه ) فقد لغا، أفلا يكون الخطيب الغالي في ذلك لاغياً، نعوذ بالله من غربة الإسلام ونكد الأيام. أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا، وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يوم يهبط الناس فيه من قراهم وبواديهم، وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم واغتصاص الأسواق بهم إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى ودنا وقت الظهيرة، وحينئذٍ تحرّ التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد، قيل لهم : بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح ﴿ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ﴾ الذي نفعه يسير وربحه مقارب. فإن قلت : فإذا كان البيع في هذا الوقت مأموراً بتركه محرماً، فهل هو فاسد ؟ قلت : عامّة العلماء على أن ذلك لا يوجب فساد البيع. قالوا : لأنّ البيع لم يحرم لعينه، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة والثوب المغصوب، والوضوء بماء مغصوب، وعن بعض الناس : أنه فاسد. ثم أطلق لهم ما حظر عليهم بعد قضاء الصلاة من الانتشار وابتغاء الربح، مع التوصية بإكثار الذكر، وأن لا يلهيهم شيء من تجارة ولا غيرها عنه، وأن تكون هممهم

__________


الصفحة التالية
Icon