أي : ماذا تبصر من رأيك وتبديه. وماذا ترى، على البناء للمفعول : أي : ماذا تريك نفسك من الرأي ﴿ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾ أي ما تؤمر به، فحذف الجار كما حذف من قوله :% ( أَمَرْتُكَ الْخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ;
أوامرك على إضافة المصدر إلى المفعول، وتسمية المأمور به أمراً. وقرىء :( ما تؤمر به ) فأن قلت : لم شاوره في أمر هو حتم من الله ؟ قلت : لم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته، ولكن ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله، فيثبت قدمه ويصبره إن جزع، ويأمن عليه الزلل إن صبر وسلم، وليعلمه حتى يراجع نفسه فيوطنها ويهون عليها، ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به، ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله : ولأنّ المغافصة بالذبح مما يستمسج وليكون سنة في المشاورة، فقد قيل : لو شاور آدم الملائكة في أكله من الشجرة لما فرط منه ذلك. فإن قلت : لم كان ذلك بالمنام دون اليقظة ؟ قلت : كما أرى يوسف عليه السلام سجود أبويه وإخوته له في المنام من غير وحي إلى أبيه، وكما وعد رسول الله ﷺ ودخول المسجد الحرام في المنام، وما سوى ذلك من منامات الأنبياء، وذلك لتقوية الدلالة على كونهم صادقين مصدوقين ؛ لأنّ الحال إما حال يقظة أو حال منام، فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق كان ذلك أقوى للدلالة من انفراد أحدهما.
! ٧ < ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاٌّ خِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ > ٧ !
< < الصافات :( ١٠٣ ) فلما أسلما وتله..... > > يقال :( سلم لأمر الله ) وأسلم، واستسلم بمعنى واحد. وقد قرىء بهنّ جميعاً إذا انقاد له، وخضع، وأصلها من قولك : سلم هذا لفلان إذا خلص له. ومعناه : سلم من أن ينازع فيه، وقولهم : سلم لأمر الله، وأسلم له منقولان منه، وحقيقة معناهما : أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له خالصة، وكذلك معنى : استسلم : استخلص نفسه لله. وعن قتادة في ﴿ أَسْلَمَا ﴾ أسلم هذا ابنه وهذا نفسه ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ صرعه على شقه، فوقع أحد جنبيه على الأرض تواضعاً على مباشرة الأمر بصبر وجلد، ليرضيا الرحمان ويخزيا