كانت الموتة التي قضت عليّ، لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته ؛ فتمناه عندها ﴿ مَا أَغْنَى ﴾ نفي أو استفهام على وجه الإنكار، أي : أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار ﴿ هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ ﴾ ملكي وتسلطى على الناس، وبقيت فقيراً ذليلاً. وعن ابن عباس : أنها نزلت في الأسود بن عبد الأشد. وعن فناخسرة الملقب بالعضد، أنه لما قال :% ( عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَابْنُ رُكْنِهَا % مَلِكُ الأمْلاَكِ غَلاَّبُ الْقَدَرْ ) %
لم يفلح بعده وجنّ فكان لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية. وقال ابن عباس : ضلت عني حجتي. ومعناه : بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا.
! ٧ < ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ ﴾ > ٧ !
< < الحاقة :( ٣٠ - ٣٧ ) خذوه فغلوه > > ﴿ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾ ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس. يقال : صلى النار وصلاة النار. سلكه في السلسلة : أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه ألمناؤها ؛ وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ؛ وجعلها سبعين ذراعاً إرادة الوصف بالطول. كما قال : إن تستغفر لهم سبعين مرة، يريد : مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد. والمعنى في تقديم السلسلة على السلك : مثله في تقديم الجحيم على النصلية. أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ﴿ ثُمَّ ﴾ الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة ( أنه ) تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ ؛ كأنه قيل : ما له يعذب هذا العذاب الشديد ؟ فأجيب بذلك. وفي قوله :﴿ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما : عطفه على الكفر، وجعله قرينة له. والثاني : ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل :

__________


الصفحة التالية
Icon