واستنكافهم من ذكرهنّ. ولقد ارتكبوا في ذلك ثلاثة أنواع من الكفر، أحدها : التجسيم، لأن الولادة مختصة بالأجسام والثاني : تفضيل أنفسهم على ربهم حين جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، كما قال :﴿ وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَانِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ ( الزخرف : ١٧ )، ﴿ أَوْ مِن * يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ ( الزخرف : ١٨ ) والثالث : أنهم استهانوا بأكرم خلق الله عليه وأقربهم إليه، حيث أنثوهم ولو قيل لأقلهم وأدناهم : فيك أنوثة، أو شكلك شكل النساء، للبس لقائله جلد النمر، ولانقلبت حماليقه وذلك في أهاجيهم بين مكشوف، فكرّر الله سبحانه الأنواع كلها في كتابه مرّات ودلّ على فظاعتها في آيات :﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ﴾ ( مريم : ٨٨ ٨٩ )، ﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ ( الأنبياء : ٢٦ )، ﴿ وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ﴾ ( البقرة : ١١٦ )، ﴿ بَدِيعُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ * أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ﴾ ( الأنعام : ١٠١ )، ﴿ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ ﴾ ( الصافات : ١٥١ ١٥٢ )، ﴿ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا ﴾ ( الزخرف : ١٥ )، ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ * بَنَاتٍ * سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ ( النحل : ٥٧ )، ﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴾ ( الطور : ٣٩ )، ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ ﴾ ( النحل : ٦٢ )، ﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ﴾ ( الصافات : ١٥٣ )، ﴿ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ ﴾ ( الزخرف : ١٦ )، ﴿ وَجَعَلُواْ الْمَلَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً ﴾ ( الزخرف : ١٩ ). ﴿ أَمَّا * خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾. فإن قلت : لم قال :﴿ وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ فخصّ علم المشاهدة ؟ قلت : ما هو الاستهزاء بهم وتجهيل، وكذلك قوله :﴿ أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ ﴾ ( الزخرف : ١٩ ) ونحوه قوله :﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ ﴾ ( الكهف : ٥١ ) وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم. ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر. ويجوز أن يكون المعنى : أنهم يقولون ذلك، كالقائل قولاً عن ثلج صدر وطمأنينة نفس لإفراط جهلهم، كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وقرىء :( ولد الله ) أي الملائكة ولده. والولد ( فعل ) بمعنى مفعول، يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث. تقول : هذه ولدي، وهؤلاء ولدي. فإن قلت :﴿ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ ﴾ بفتح الهمزة : استفهام على طريق الإنكار والاستبعاد، فكيف صحّت قراءة أبي جعفر بكسر الهمزة على الإثبات ؟ قلت : جعله من كلام الكفرة بدلاً عن قولهم :﴿ وَلَدَ اللَّهُ ﴾ وقد قرإ بها حمزة والأعمش

__________


الصفحة التالية
Icon