كَيْفَ قَدَّرَ } تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحز. ورميه الغرض الذي كان تنتحيه قريش. أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به أو هي حكاية لما كرروه من قولهم. قتل كيف قدّر تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره، واستعظامهم لقوله. ومعنى قول القائل : قتله الله ما أشجعه. وأخزاه الله ما أشعره : الإشعار بأنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك. روي :
( ١٢٥٠ ) أنّ الوليد قال لبني مخزوم : والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى ؛ فقالت قريش : صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم ؛ فقال أبو جهل : أنا اكفيكموه، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال : تزعمون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه يخنق ؛ وتقولون إنه كاهن، فهل رأيتموه قط يتكهن ؛ وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط ؛ وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب، فقالوا في كل ذلك : اللهم لا، ثم قالوا : فما هو ؟ ففكر فقال : ما هو إلا ساحر. أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحاً، وتفرّقوا معجبين بقوله متعجبين منه ﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾ في وجوه الناس، ثم قطب وجهه، ثم زحف مدبراً، وتشاوس مستكبراً لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء، وهمّ بأن يرمي بها وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط، استهزاء به. وقيل : قدرّ ما يقوله، ثم نظر فيه، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول. وقيل : قطب في وجه رسول الله ﷺ ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ ﴾ عن الحق ﴿ وَاسْتَكْبَرَ ﴾ عنه فقال ما قال. و ﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾ عطف على ﴿ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾ والدعاء : اعتراض بينهما. فإن قلت : ما معنى ﴿ ثُمَّ ﴾ الداخلة في تكرير الدعاء ؟ قلت ؛ الدلالة على أن الكرّة الثانية أبلغ من الأولى. ونحوه قوله :
أَلاَ يَا اسْلَمِى ثُمَّ اسْلَمِى ثُمَّتَ اسْلَمِى
فإن قلت : ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها ؟ قلت : الدلالة على أنه قد تأتي في التأمّل وتمهل، وكأنّ بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد. فإن قلت : فلم قيل

__________


الصفحة التالية
Icon