أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم، فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحى وكان شديد البطش، أنا أكفيكم سبعة عشر، فأكفوني أنتم اثنين، فأنزل الله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلَئِكَةً ﴾ أي ما جعلناهم رجالاً من جنسكم يطاقون. فإن قلت : قد جعل افتنان الكافرين بعدة الزبانية سبباً لاستيقان أهل الكتاب وزيادة إيمان المؤمنين واستهزاء الكافرين والمنافقين، فما وجه صحة ذلك ؟ قلت ما جعل افتتانهم بالعدة سبباً لذلك، وإنما العدة نفسها هي التي جعلت سبباً، وذلك أن المراد بقوله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وما جعلنا عدتهم إلا تسعة عشر، فوضع ﴿ فِتْنَةً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ موضع ﴿ تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ ويعترض ويستهزيء، ولا يذعن إذعان المؤمن، وإن خفى عليه وجه الحكمة، كأنه قيل ولقد جعلنا عدتهم عدة من شأنها أن يفتتن بها، لأجل استيقان المؤمنين وحيرة الكافرين واستيقان أهل الكتاب، لأن عدتهم تسعة عشر في الكتابين، فإذا سمعوا بمثلها في القرآن أيقنوا أنه منزل من الله، وازدياد المؤمنين إيماناً لتصديقهم بذلك كما صدقوا سائر ما أنزل، ولما رأوا من تسليم أهل الكتاب وتصديقهم أنه كذلك. فإن قلت : لم قال ﴿ وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ والاستيقان وازدياد الإيمان دالا على انتفاء الارتياب ؟ قلت لأنه إذا جمع لهم إثبات اليقين ونفي الشك. كان آكد وأبلغ لوصفهم بسكون النفس وثلج الصدر، ولأن فيه تعريضاً بحال من

__________


الصفحة التالية
Icon