والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله :﴿ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾ كأنه قال : بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة ﴿ وَتَذَرُونَ الاْخِرَةَ ﴾ وقرىء بالياء وهو أبلغ فإن قلت : كيف اتصل قوله ﴿ لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ ( القيامة : ١٦ ) إلى آخره، بذكر القيامة ؟ قلت : اتصاله به من جهة هذا للتخلص منه، إلى التوبيخ بحب العاجلة، وترك الأهتمام بالآخرة. الوجه : عبارة عن الجملة والناضرة من نضرة النعيم ﴿ إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله :﴿ إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾، ﴿ إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾، ﴿ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الاْمُورُ ﴾ ( الشورى : ٥٣ )، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ ( آل عمران : ٢٨ )، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ( البقرة : ٢٤٥ )، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ ( هود : ٨٨ )، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإنّ المئمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليه ولا هم يحزنون، فاختصاصه ينظرهم إليه لو كان منظوراً إليه : محال، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص، والذي يصح معه أن يكون من قوله الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي، تريد معنى التوقع والرجاء. ومنه قول القائل :% ( وَإذَا نَطَرْتُ إلَيْكَ مِنْ ملك % وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَني نِعَمَا ) %
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم، ويأوون إلى مقائلهم، تقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه، والباسر : الشديد العبوس، والباسل : أشد منه، ولكنه غلب في الشجاع إذا اشتد كلوحه ﴿ تَظُنُّ ﴾

__________


الصفحة التالية
Icon