واحدة ؟ قلت : لأنّ عطف البيان للبيان، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار ﴿ الْوَسْوَاسِ ﴾ اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فوسواس بالكسر كزلزال. المراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته وشغله الذي هو عاكف عليه. أو أريد ذو الوسواس. والوسوسة : الصوت الخفي. ومنه : وسواس الحلي. و ﴿ الْخَنَّاسِ ﴾ الذي عادته أن يخنس، منسوب إلى الخنوس وهو التأخر كالعواج والبتات، لما روي عن سعيد بن جبير : إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى، فإذا غفل وسوس إليه ﴿ الَّذِى * يُوَسْوِسُ ﴾ يجوز في محله الحركات الثلاث، فالجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم، ويحسن أن يقف القارىء على ﴿ الْخَنَّاسِ ﴾ ويبتدىء ﴿ الَّذِى * يُوَسْوِسُ ﴾ على أحد هذين الوجهين ﴿ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ بيان للذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان : جنى وإنسي، كما قال شياطين الإنس ؟ والجن وعن أبي ذر رضي الله عنه قال لرجل : هل تعوذت بالله من شيطان الإنس ؟ ويجوز أن يكون ( من ) متعلقاً بيوسوس، ومعناه : ابتداء الغاية، أي : يوسوس في صدروهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس، وقيل : من الجنّة والناس بيان للناس، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة، واستدلّوا ( بنفر ) و ( رجال ) في سورة الجن. وما أحقه ؛ لأن الجن سموا ( جنا ) لاجنتنانهم، والناس ( ناساً ) لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشراً ؛ ولو كان يقع على الناس على القبيلين، وصحّ ذلك وثبت : لم يكن مناسباً لفصاحة القرآن وبعده من التصنع. وأجود منه أن يراد بالناس : الناسي، كقوله :﴿ يَوْمَ يَدْعُو * الدَّاعِ ﴾ ( القمر : ٦ ) كما قرىء :﴿ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ ( البقرة : ١٩٩ ) ثم يبين بالجنة والناس ؛ لأنّ الثقلين هما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله عزّ وجلّ.
وعن رسول الله ﷺ :
( ١٨٧٧ ) ( لقد أنزلت عليّ سورتان ما أنزل مثلهما، وإنك لن تقرأ سورتين أحب

__________


الصفحة التالية
Icon