الخلطاء في ذلك المقام ؟ قلت : قصد به الموعظة الحسنة والترغيب في إيثار عادة الخلطاء الصلحاء الذي حكم لهم بالقلة، وأن يكرّه إليهم الظلم والاعتداء الذي عليه أكثرهم، مع التأسف على حالهم، وأن يسلى المظلوم عما جرى عليه من خليطه، وأنّ له في أكثر الخلطاء أسوة. وقرىء :( ليبغي ) بفتح الياء على تقدير النون الخفيفة، وحذفها كقوله :% ( اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِقَهَا ;
وهو جواب قسم محذوف. وليبغ : بحذف الياء، اكتفاء منها بالكسرة، و ( ما ) في ﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ للإبهام. وفيه تعجب من قلتهم. وإن أردت أن تتحقق فائدتها وموقعها فاطرحها، من قول امرىء القيس :% ( وَحَدِيثٌ مَا عَلَى قِصَرِهْ ;
وانظر هل بقي له معنى قط، لما كان الظنّ الغالب يداني العلم، استعير له. ومعناه : وعلم داود وأيقن ﴿ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾ أنا ابتليناه لا محالة بامرأة أوريا، هل يثبت أو يزل ؟ وقرىء :( فتناه ) بالتشديد للمبالغة. وأفتناه، من قوله :% ( لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهِيَ بِالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ;
وفتناه وفتناه، على أن الألف ضمير الملكين. وعبر بالراكع عن الساجد، لأنه ينحني ويخضع كالساجد. وبه استشهد أبو حنيفة وأصحابه في سجدة التلاوة، على أنّ الركوع يقوم مقام السجود. وعن الحسن : لأنه لا يكون ساجداً حتى يركع، ويجوز أن يكون قد استغفر الله لذنبه وأحرم بركعتي الاستغفار والإنابة، فيكون المعنى : وخرّ للسجود راكعاً أي : مصلياً ؛ لأنّ الركوع يجعل عبارة عن الصلاة ﴿ وَأَنَابَ ﴾ ورجع إلى الله تعالى بالتوبة والتنصل. وروى أنه بقي ساجداً أربعين يوماً وليلة لا يرفع رأسه إلاّ لصلاة مكتوبة أو ما لا بدّ منه ولا يرقأ دمعه حتى نبت العشب من دمعه إلى رأسه، ولم يشرب ماء إلا وثلثاه دمع، وجهد نفسه راغباً إلى الله تعالى في العفو عنه حتى كاد يهلك، واشتغل بذلك عن الملك حتى وثب ابن له يقال له : إيشا على ملكه ودعا إلى