فأمة الإنسان هي حيوان ناطق مفكر، وهناك قدر عام يجمع كل إنسان، ولكن هناك تفاوتات في المواهب.
ولا توجد نفس بشرية واحدة تملك موهبة الهندسة والطب والتجارة والصيدلة والمحاسبة؛ لأن كل حرفة من تلك الحرف تحتاج إلى دراسة.
ولا يملك إنسان من العمر ما يتيح له التخصص في كل تلك المجالات؛ ولذلك يتخصص كل فرد في مجال؛ ليخدم غيره فيه، وغيره يتخصص في مجال آخر ويخدم الباقين، وهكذا.
وفي هذا تكافل اجتماعي، يشعر فيه كل فرد بأنه يحتاج للآخرين، وأنه لا يستطيع أن يحيا مستقلاً بذاته عن كل الخلق.
ولو عرف واحد كل الحرف التي في الدنيا، من طب وهندسة وقضاء، وسباكة، ونجارة، وزراعة، وغيرها فلن يسأل عن الباقين؟
لذلك شاء الله سبحانه وتعالى أن تلتحم المجتمعات ضرورة وقسراً، لا تفضُّلاً من أحد على أحد.
والذي يكنس الشارع أو يعمل في تنظيف الصرف الصحي لا يفعل ذلك تفضُّلاً، بل يفعل ذلك احتياجاً؛ لأنه يحتاج إلى العمل والرزق؛ لأن جسمه يحتاج إلى الطعام، وإلى الستر بالملابس، وأولاده يطلبون الطعام والمأوى والملبس، ولولا ذلك لما عمل في تلك المهنة.
وإذا أخلص في عمله فالله سبحانه يحببه فيها، وإن ارتقت أحواله، يظل في هذا العمل؛ لأنه عشق إتقان مهنته.
ولقد رأيت رجلاً كان يعمل في هذه المهنة، ويحمل الأقذار على كتفه، وحين وسَّع الله عليه، اشترى عربة يجرها حمار ليحمل فيها ما ينزحه من تلك المجاري.


الصفحة التالية
Icon