ولكنه سبحانه شاء أنْ تمُرَّ الظروف الجوية باختلافها وتنوُّعها في تتابع يُوفِّر من الحرارة والرطوبة ما يجعل الأرض تتشقق؛ فيصير سطح الجبال الصّلْبة هَشَّاً لينزل مع المطر؛ ولِيُغذِّي الأرض بالخُصوبة من أجل أن يستمر استبقاء الحياة بإنتاج ما نحتاجه من نباتات مزروعة.
ونلحظ قوله سبحانه في نفس الآية: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً... ﴾ [الرعد: ٣]
وهنا يجمع الحق بين الرواسي وهي الثوابت، وبين الأنهار وهي التي تحمل الماء السائل، وهذا جَمْعٌ بين الأضداد.
والنهر يُطلق على ما يحمل المياه العَذْبة؛ أما البحر فهو المُكوَّن من الماء المالح، وأنت إذا استعرضت أنهار الدنيا كلها؛ ستجد أن مجاريها تصبُّ في البحار، وهذا دليل على أن منسوب النهر أعلى دائماً من منسوب البحر، ولو كان الأمر بالعكس؛ لَطَغى ماء البحر على مياه النهر، ولَمَا استطعنا أن نشرب أو نزرع.
ولذلك شاء الحق سبحانه أن يجعل الماء العذب هو الأعلى؛ لأن له مهمة يُؤدِّيها قبل أن يصُبَّ في البحر. أقول ذلك حتى نعلم الحكمة في قول الحق سبحانه: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: ٢٠]