والحق سبحانه يقول: ﴿قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق... ﴾ [الإسراء: ١٠٠]
وأنت لا تجد في الثمار تشابهاً، بل اختلافاً في الطَّعْم من نوع إلى نوع؛ كذلك تجد اختلافاً في طريقة تناولها؛ فلا أحد مِنَّا يأكل البلحة بكاملها، بل نأكل ثمرة البلحة بعد أن نُخرِج منها النواة؛ ونأكل ثمرة التين بأكملها، ونخرج ما في قلب حَبَّة المشمش من بذرة جامدة، ثم نأكل المشمشة من بعد ذلك.
فكل ثمرة لها نظام خاص؛ وليست مسألة ميكانيكية في عطاء الله لثمار متشابهة؛ بل هناك اختلاف، ويمتد هذا الاختلاف إلى أدقِّ التفاصيل؛ لدرجة أنك حين تتناول قِطْفاً من العنب تجد اختلافاً لبعض من حبَّات العنب عن غيرها.
ونحن لا نُفضِّل بعضاً من الفاكهة على البعض الآخر في الأُكُل فقط، بل نُفضِّل في الصنف الواحد بعضاً من ثماره عن البعض الآخر.
وحين تقرأ: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل... ﴾ [الرعد: ٤]
فاعلم أنه لا يوجد شيء أو أمر مُفضّل على إطلاقه، وأمر آخر مفضول على إطلاقه، فما دُمْنَا نُفضِّل بعضه على البعض الآخر؛ فهذا يعني أن كلاً منهما مُفضَّل في ناحية، ومفضول عليه في ناحية أخرى.
والمثل الواضح أمامنا جميعاً أننا حين نجلس إلى مائدة عليها ديك رومي قد تجد يدك تتجه إلى طبق «المخلل» قبل أن تمتدّ يدك إلى الديك الرومي؛ لأن «نفسك» قد طلبتْه أولاً، فلا تَقُلْ: إن هناك


الصفحة التالية
Icon