حين يُخيَّر بين أمرين؛ فهو يستعجل الحسنة؛ لأنها تنفع، ويستبعد السيئة.
ومادامت نفوس هؤلاء الكافرين فاسدة؛ ومادامت مقاييسهم مُخْتلة، فلابد أن السبب في ذلك هو الكفر.
إذن: فاستعجال السيئة قبل الحسنة بالنسبة للشخص أو للجماعة؛ دليلُ حُمْق الاختيار في البدائل؛ فلو أنهم أرادوا الاستعجال الحقيقي للنافع لهم؛ لاستعجلوا الحسنة ولم يستعجلوا السيئة.
وهنا يقول الحق سبحانه: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات... ﴾ [الرعد: ٦]
فلماذا يستعجلون العذاب؟ ألم ينظروا ما الذي حاق بالذين كذَّبوا الرسل من قبلهم؟
وحين يقول الرسول: احذروا أن يصيبكم عذاب، أو احذروا أنْ كذا وكذا؛ فهل في ذلك كذب؟ ولماذا لم ينظروا للعِبَر التي حدثتْ عَبْر التاريخ للأقوام التي كذبتْ الرسل من قبلهم؟
و «المَثُلات» جمع «مُثْلة» ؛ وفي قول آخر «مَثُلَة». والحق سبحانه يقول لنا: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ... ﴾ [النحل: ١٢٦]
ويقول أيضاً: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا... ﴾ [الشورى: ٤٠]
وهكذا تكون «مَثُلات» من المثل؛ أي: أن تكون العقوبة مُمَاثلة للفعل.