إذن: عمدته أن يقول رسول الله، وطالما قال فهو صادق، هذه قضية مُسلَّم بها عند الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
ثم قال: «إنَّا لَنُصدقه في أبعد من هذا، نُصدِّقه في خبر السماء (الوحي)، فكيف لا نُصدّقه في هذا» ؟
إذن: الحق سبحانه جعل هذا الحادث مَحكّاً للإيمان، ومُمحِّصاً ليقين الناس، حين يغربل مَنْ حول رسول الله، ولا يبقى معه إلا أصحاب الإيمان واليقين الثابت الذي لا يهتز ولا يتزعزع.
لذلك قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ..﴾ [الإسراء: ٦٠].
وهذا دليل آخر على أن الإسراء لم يكُنْ مناماً، فالإسراء لا يكون فتنة واختباراً إلا إذا كان حقيقة لا مناماً، فالمنام لا يُكذِّبه أحد ولا يختلف فيه الناس.
لكن لماذا قال عن الإسراء (رُؤْيَا) يعني المنامية، ولم يقُلْ «رؤية» يعني البصرية؟
قالوا: لأنها لما كانت عجيبة من العجائب صارت كأنها رؤيا منامية، فالرؤيا محل الأحداث العجيبة.
وورد في الإسراء أحاديث كثيرة تكلَّم فيها العلماء: أكان بالروح والجسد؟ أكان يقظة أم مناماً؟ أكان من المسجد الحرام أم من بيت أم هانيء؟ ونحن لا نختلف مع هذه الآراء، ونُوضِّح ما فيها من تقارب.


الصفحة التالية
Icon