تعالى جعل هذه العاطفة الأبوية تقوى مع ضعفك، وتزيد مع مرضك وحاجتك، فترى الابن الفقير محبوباً عن أخيه الغني، والمريض أو صاحب العاهة محبوباً عن الصحيح، والغائب محبوباً عن الحاضر، والصغير محبوباً عن الكبير، وهكذا على قَدْر حاجة المربَّي يكون حنان المربِّي.
إذن: نستطيع أن نأخذَ من هذا إشارة دقيقة يجب ألاَّ نغفل عنها، وهي: إنْ كان بر الوالدين واجباً عليك في حال القوة والشباب والقدرة، فهو أوجب حالَ كبرهما وعجزهما، أو حال مرضهما.
ثم يرشدنا الحق سبحانه إلى حسن معاملة الوالدين، فيقول: ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة... ﴾.
﴿واخفض﴾ : الخفْض ضد الرّفْع.
﴿جَنَاحَ الذل﴾ : الطائر معروف أنه يرفع جناحه ويُرفْرِف به، إنْ أراد أن يطير، ويخفضه إنْ أراد أن يحنوَ على صغاره، ويحتضنهم ويغذيهم.
وهذه صورة مُحسَّة لنا، يدعونا الحق سبحانه وتعالى أن نقتدي بها، وأن نعامل الوالدين هذه المعاملة، فنحنو عليهم، ونخفض لهم الجناح، كنايةً عن الطاعة والحنان والتواضع لهما، وإياك أن تكون كالطائر الذي يرفع جناحيه ليطير بهما مُتعالياً على غيره.