لأن الله ربُّ العالمين، وربٌّ يعني الخالق والمتولي للتربية، خلق من عدم، وأمدَّ من عُدم، وتولّى تربية عباده، فهو رَبٌّ لكل العالمين؛ لذلك يجب أنْ نحمدَ الله على أنه هو الربُّ الذي خلق العالمين، وأمدَّهم بفضله.
وفي الثانية: نحمده سبحانه الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وهذه آيات من آيات الله ونِعَم من نِعَمه، فالسماوات والأرض فيها قيام البشر كله بما يمدُّ حياتهم بالقوت، ويستبقي نوعهم بالتكاثر.
والظلمات والنور مِنَ نعم الله، وهما متكاملان لا متضادان، فَلِلْظُّلمة مهمة، كما أن للنور مهمة، الظلمة للسكون والراحة، والنور للسعي والحركة، ولا يمكن لسَاعٍ أنْ يسعى ويجدّ في عمل، إلا إذا ارتاح وسكن وجدَّد نشاطه، فتقابُل الظلمة والنور للتكامل، فالحياة لا تستقيم في ظلام دائم، كما أنها لا تستقيم في نور دائم.
وفي السورة الثالثة من السور التي افتتحها الحق سبحانه ب ﴿الحمد لِلَّهِ﴾ والتي نحن بصددها أراد الحق سبحانه أنْ يُوضّح أنه لم يُربِّ الخلْق تربية مادية فقط، بل هناك تربية أعلى من المادة تربية روحية قيمية، فذكر هنا الحيثية الحقيقية لخَلْق الإنسان، فهو لم يُخلق لمادته فحسْب، ولكن لرسالة أسمى، خلق ليعرف القيم والرب والدين، وأنْ يعملَ لحياة أخرى غير هذه الحياة المادية، فقال تعالى: ﴿الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب..﴾ [الكهف: ١]
فحيثية الحمد هنا إنزالُ الكتاب الذي يجمع كل القيم. وقلنا: إن