حَمّل نفسه في سبيل هداية قومه ما لا يحمله الله ويلزم ما لا يلزمه، فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدعو قومه فيُعرضوا ويتولَّوْا عنه فيُشيِّع آثارهم بالأسف والحزن، كما يسافر عنك حبيب أو عزيز، فتسير على أثره تملؤك مرارة الأسى والفراق، فكأن رسول الله لحبه لقومه وحِرْصه على هدايتهم يكاد يُهلك نفسه ﴿أَسَفاً﴾.
والأسف: الحزن العميق، ومنه قَوْلُ يعقوب عليه السلام: ﴿ياأسفى عَلَى يُوسُفَ..﴾ [يوسف: ٨٤] وقوله تعالى عن موسى لما رجع إلى قومه غاضباً من عبادتهم العجل: ﴿فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً..﴾ [طه: ٨٦]
وقد حدّد الله تعالى مهمة الرسول وهي البلاغ، وجعله بشيراً ونذيراً، ولم يُكلّفه من أمر الدعوة ما لا يطيق، ففي الآية مظهر من مظاهر رحمة الله برسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فيقول الحق سبحانه: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا... ﴾.
وكأن هذه الآية تعقيب على سابقتها، وإشارة لرسول الله بأن الدنيا قصيرة، فالمسألة إذن قريبة فلا داعيَ لأنْ يُهلِك نفسه حُزْناً على عناد قومه، فالدنيا لكل إنسان مدة بقائه بها وعَيْشَه فيها، ولا دخلَ له بعمرها الحقيقي؛ لأن حياة غيره لا تعود عليه بشيء، وعلى هذا فما أقصرَ الدنيا، وما أسرعَ انتهائها، ثم يرجعون إلينا فنجازيهم بما عملوا، فلا تحزن ولا تيأس، ولا تكدِّر نفسك، لأنهم لم يؤمنوا.
فقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا..﴾ [الكهف: ٧]