وقد كان يهود المدينة قبل البعثة يتوعدون الأوس والخزرج عباد الأصنام ببعثة النبي الجديد، يقولون: لقد أطلَّ زمان نبيٍّ نتبعه ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم؛ لذلك رغب أهل مكة في سؤال يهود المدينة عن صدق رسول الله، فلما ذهب الرجلان إلى يهود المدينة قالوا: إنْ أردتُمْ معرفة صدق محمد فاسألوه عن ثلاثة أشياء، فإنْ أجابكم فهو صادق، اسألوه: ما قصة القوم الذين ذهبوا في الدهر مذاهب عجيبة؟ وما قصة الرجل الطوّاف الذي طاف الأرض شرقاً وغرباً؟ وما الروح؟
وفعلاً ذهب الرجلان إلى رسول الله، وسألاه هذه الأسئلة فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أخبركم بما سألتم عنه غداً» وجاء غد وبعد غد ومرَّت خمسة عشر يوماً دون أنْ يُوحَى لرسول الله شيء من أمر هذه الأسئلة، فشقّ ذلك على رسول الله وكَبُر في نفسه أنْ يعطِي وَعْداً ولا يُنجزه.
وقالوا: إن سبب إبطاء الوحي على رسول الله في هذه المسألة أنه قال: «أخبركم بما سألتم عنه غداً» ولم يقُلْ: إنْ شاء الله؛ ولذلك خاطبه ربه تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله..﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤]
وهذه الآية في حَدِّ ذاتها دليل على صدق رسول الله، وعلى أدبه، وعلى أمانته في البلاغ عن ربه عَزَّ وَجَلَّ، وقد أراد الحق