طبيعياً، بل جاء من الابن للأب ليؤكد على أنه لا غضاضة أنْ يستدرك الصغير على الكبير، أو الابن على الأب، فالهدف هو الوصول إلى الحق والصواب، ونبيّ الله سليمان في هذه المسألة لم يغُضّ الطرف عن هذا القصور في حكومة أبيه، بل جهر بالحق ونطق به؛ لأن الحق أعزّ من أيِّ صلة حتى لو كانت صلة الأبوة.
ومن هذه القضية نعلم استدراك الخَلْق على الخَلْق أمر طبيعي ومقبول لا يستنكف منه أحد، ومن هنا جاءت فكرة الاستئناف في المحاكم، فلعل القاضي في محكمة الاستئناف يستدرك على زميله في المحكمة الابتدائية، أو يقف على شيء لم يقف عليه، أو يرى جانباً من القضية لم يَرَهُ.
ولنا هنا وَقْفة مع أمانته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في البلاغ عن الله، وأنه لم يكتم من الوحي شيئاً حتى ما جاء في عتابه والاستدراك عليه، فكأنه أمينٌ حتى على نفسه، فالرسول هو الذي بلغنا: ﴿وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً﴾ [الكهف: ٢٣] وهو الذي بلَّغنا: ﴿ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ﴾ [التحريم: ١]
وهو الذي بلغنا في شأن غزوة بدر: ﴿عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ..﴾ [التوبة: ٤٣] وغيرها كثير من آيات القرآن؛ لذلك مدحه ربه تعالى بقوله: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤]
حتى في مجال التهديد والوعيد لم يكتم رسول الله من الوحي حرفاً واحداً، انظر إلى قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾ [الحاقة: ٤٤ - ٤٦]
إنها الأمانة المطلقة والصدق الذي لا يُخفِي شيئاً.