بصددها، فتلاحظ أن الحق سبحانه بعد أن قال: ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..﴾ [الكهف: ٢٩] فبدأ باختيار الإيمان ثم ذكر الكفر، أما في الحكم على كل منهما فقد ذكر حكم الكفر أولاً: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً..﴾ [الكهف: ٢٩] ثم ذكر بعده حكم المؤمنين: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٣٠]
وليكُنْ في الاعتبار أن المتكلم رَبٌّ حكيم، ما من حرف من كلامه إلا وله مغزى، ووراءه حكمة، ذلك أنه تعالى لما تكلّم عن الإيمان جعله اختياراً خاضعاً لمشيئة العبد، لكنه تعالى رجّح أن يكونَ الإيمانُ أولاً وأنْ يسبق الكفر. أما حينما يتكلم عن حكم كل منهما، فقد بدأ بحكم الكفر من باب أنْ «دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المنفعة».
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿إِنَّ الذينءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات... ﴾.
وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه عطف على الإيمان العملَ الصالح؛ لأن الإيمان هو العقيدة التي ينبع عن أصلها السلوك، فلا جدوى من الإيمان بلا عمل بمقتضى هذا الإيمان، وفائدة الإيمان أنْ تُوثّق الأمر أو النهي إلى الله الذي آمنتَ به؛ لذلك جاء الجمع بين الإيمان والعمل الصالح في مواضع عدّة من كتاب الله، منها قوله تعالى: ﴿والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذينءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر﴾ [العصر: ١ - ٣]


الصفحة التالية
Icon