ثم تدور بينهما هذه المحاورة: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ [الكهف: ٣٤]
دليل على أن ما تقدم ذِكْره من أمر الجنتين وما فيهما من نِعَم دَعَتْهُ إلى الاستعلاء هو سبب القول ﴿لِصَاحِبِهِ﴾، والصاحب هو: مَنْ يصاحبك ولو لم تكن تحبه ﴿يُحَاوِرُهُ﴾ أي: يجادله بأن يقول أحدهما فيرد عليه الآخر حتى يصلوا إلى نتيجة. فماذا قال صاحبه؟ قال: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً..﴾ [الكهف: ٣٤] يقصد الجنتين وما فيهما من نعم ﴿وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ [الكهف: ٣٤] داخلة في قوله: ﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ [الكهف: ٣٤] وهكذا استغنى هذا بالمال والولد.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ... ﴾.
عرفنا أنهما جنتان، فلماذا قال: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ..﴾ [الكهف: ٣٥] نقول: لأن الإنسان إنْ كان له جنتان فلنْ يدخلهما معاً في وقت واحد، بل حَالَ دخوله سوف يواجه جنةً واحدة، ثم بعد ذلك يدخل الأخرى.
وقوله: ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ..﴾ [الكهف: ٣٥] قد يظلم الإنسان غيره، لكن كيف يظلم نفسه هو؟ يظلم الإنسان نفسه حينما يُرخيِ لها عنان الشهوات، فيحرمها من مشتهيات أخرى، ويُفوِّت عليها ما هو أبقى وأعظم، وظلم الإنسان يقع على نفسه؛ لأن النفس لها جانبان: نفسٌ تشتهي، ووجدان يردع بالفطرة.


الصفحة التالية
Icon