حجتهم ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ..﴾ [الكهف: ٥٢] ثم جعل الحق سبحانه بين الداعي والمدعو وادياً سحيقا: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً..﴾ [الكهف: ٥٢]
والمَوْبِق: المكان الذي يحصل فيه الهلاك، وهو وَادٍ من أودية جهنم يهلكون فيه جميعاً، أو: أن بين الداعي والمدعو مكاناً مُهْلكاً، فلا الداعي يستطيع أنْ يلوذَ بالمدعو، ولا المدعو يستطيع أنْ ينتَصرَ للداعي ويُسعفه، لأن بينهم منبعَ هلاك.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٤] يعني: يهلكهن.
ومن العجيب أن تكون هذه أولَ إطاعة منهم لله تعالى، فلما قال لهم: ﴿نَادُواْ شُرَكَآئِيَ..﴾ [الكهف: ٥٢] استجابوا لهذا الأمر، في حين أنهم لم يطيعوا الأوامر الأخرى.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَرَءَا المجرمون النار فظنوا أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا... ﴾.
رأى: الرؤية: وقوع البصر على المرئيّ، والرؤية هنا مِمّن سيُعذّب في النار، وقد تكون الرؤية من النار التي ستعذبهم؛ لأنها تراهم وتنتظرهم وتناديهم، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠] أي: هاأنا ذا أنتظرهم ومستعدة لملاقاتهم؟
والمجرمون: الذين ارتكبوا الجرائم، وعلى رأسها الكفر بالله. إذن: فالرؤية هنا متُبَادلة: المعذِّب والمعذَّب، كلاهما يرى الآخر ويعرفه.


الصفحة التالية
Icon