لذلك نقول: لا بُدَّ في تعلُّم القرآن من السماع، وإلاَّ فكيف تُفرِّق بين الم في أول البقرة فتنطقها مُقطَّعة وبين ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: ١] فتنطقها موصولة؟ وصدق الله تعالى حين قال: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٨].
ونلاحظ في هذه الحروف أنه يَنطِق بالمسمّى المتعلم وغير المتعلم، أما الاسم فلا ينطق به ولا يعرفه إلا المتعلّم الذي عرف حروف الهجاء. فإذا كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أميّاًَ لم يجلس إلى معلم، وهذا بشهادة أعدائه، فمن الذي علمه هذه الحروف؟
إذن: فإذا رأيت هذه الحروف المقطعة فاعلم أن الحق سبحانه وتعالى نطق بها بأسماء الحروف، ونحن نتكلم بمُسمَّيات الحروف لا بأسمائها.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ﴾
الذكْر: له معانٍ متعددة، فالذكْر هو الإخبار بشيء ابتداءً، والحديث عن شيء لم يكُنْ لك به سابق معرفة، ومنه التذكير بشيء عرفته أولاً، ونريد أن نُذكِّرك به، كما في قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ [الذاريات: ٥٥].
ويُطلَق الذكْر على القرآن: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] وفي القرآن أفضل الذكر، وأصدق الأخبار والأحداث. كما يُطلق الذكر على كل كتاب سابق من عند الله، كما جاء في قوله تعالى: ﴿فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣].


الصفحة التالية
Icon