أخفاه أيضا؛ لأنه طلب الولد في وجود أبناء عمومته الذين سيحملون منهجه من بعده، إلاّ أنه لم يأتمنهم على منهج الله؛ لأن ظاهر حركتهم في الحياة غير متسقة مع المنهج، فكيف يأمنهم على منهج الله وهم غير مؤتمنين على أنفسهم؟ فإذا دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ليرث النبوة من بعده، فسوف يغضب هؤلاء من دعاء زكريا ويعادونه؛ لذلك جاء دعاؤه خفياً يُسِرُّه بينه وبين ربه تعالى.
سؤال آخر تنبغي الإجابة عليه هنا: لماذا يطلب زكريا الولد في هذه السن المتأخرة، وبعد أن بلغ من الكبر عتياً، وأصبحت امرأته عاقراً؟
لقد أوضح زكريا عليه السلام العلة في ذلك في الآيات القادمة فقال: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦].
إذن: فالعِلَّة في طلب الولد دينية مَحْضة، لا يطلبه لمغْنَم دنيوي، إنما شغفه بالولد أنه لم يأمن القوم من بعده على منهج الله وحمايته من الإفساد.
لذلك قوله: (يرثني) هنا لا يفهم منه ميراث المال كما يتصوره البعض؛ لأن الأنبياء لا يورثون، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» وبذلك يخرج النبي من الدنيا دون أن ينتفع أحد من أقاربه بماله حتى الفقراء منهم.
فالمسألة مع الأنبياء خالصة كلها لوجه الله تعالى؛ لذلك قال بعدها: ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ [مريم: ٦] أي: النبوة التي