أوامر وفيه نَوَاهٍ، يأمر بالخير وينهاك عن الشر، فإنْ أمركَ بالخير وأنت لا تفعله تحتاج إلى قوة دَفْع تدفعك إلى الخير، وكأنك كنتَ ساكناً تحتاج إلى قوة تحركك، وإنْ نهاك عن الشر وأنت تفعله فأنت في حاجة إلى قوة تمنعك وتوقف حركتك في الشر. والمنهج هو هذه القوة التي تُحرِّكك إلى الخير وأنت ساكن، وتُسكنك عن الشر وأنت متحرك.
ثم يقول تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيّاً﴾ [مريم: ١٢] الحكم: العلم والفهم للتوراة، أو الطاعة والعبادة، ﴿صَبِيّاً﴾ [مريم: ١٢] في سِنٍّ مبكرة؛ لأن المسألة عطاء من الله لا يخضع للأسباب، فجاء يحيى عليه السلام مُبكِّر النضج والذكاء، يفوق أقرانه، ويسبق زمانه، وقد أُثِر عنه وهو صغير أنْ دعاه أقرانه للعب فقال لهم: «ما للعب خُلِقْنا».
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا﴾
ولأن يحيى جاء إلى الدنيا حال كِبَر وضعف والديه، وهو كطفل يحتاج مَنْ يشمله بالعطف والحنان، ويُعوِّضه حنان الوالدين، ويحتاج إلى مَنْ يُعلِّمه ويُربِّيه؛ لذلك تولِّى الحق سبحانه وتعالى هذه المهمة، فهو سبحانه خالقه ومُسمِّيه ومُتولّيه فوهبه حناناً منه