وهذا كله لإيناس مريم وطمأنينتها، وأيضاً ليثبت أنها العذراء العفيفة؛ لأنها لما رأت هذا الفتى الوسيم القَسِيم ما أبدتْ له إعجاباً ولا تلطفتْ إليه في الحديث، ولا نطقتْ بكلمة واحدة يُفهَم منها مَيْل إليه، بل قالت كما حكى القرآن: ﴿قَالَتْ إني أَعُوذُ بالرحمن﴾
فلم تُظهِر له إعجاباً، ولا مالتْ إليه بكلمة واحدة، وهذا دليل على عِفّتها وطهارتها واستقامتها والتزامها.
وقولها: ﴿أَعُوذُ﴾ [مريم: ١٨] أي: ألجأ وأعتصم بالله منك؛ لأنني أخاف أنْ تفتك بي، أو تعتدي عليَّ وأنا ضعيفة لا حَوْلَ لي ولا قوة إلا بالله، فأستعيذ به منك. والمؤمن هو الذي يحترم الاستعاذة بالله ويُقدِّرها، فإنْ استعذتَ بالله أعاذك، وإن استجرتَ بالله أجارك.
«ولما خطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ امرأة، كانت على شيء من الحسن أثار غَيْرة نسائه، فخشينَ أنْ تغلبهن على قلب رسول الله، فدبَّرْنَ لها أمراً يبعدها من أمامهن، فقُلْنَ لها وكانت غِرَّة ساذجة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحب إذا اقترب منه إنسان أن يقول له: أعوذ بالله منك، فما كان من المرأة إلا أنْ قالت هكذا لرسول الله عندما دخلت عليه، فقال لها:» لقد استعذت بمعيذ، الحقي بأهلك «.
فقول مريم: ﴿إني أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً﴾ [مريم: ١٨] لأن المؤمن التقيّ هو الذي يخاف الله، ويحترم الاستعاذة به، وكأنها


الصفحة التالية
Icon