وقوله: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٢١] كما قال في مسألة البعث بعد الموت: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] فكلمة هيّن وأَهْوَن بالنسبة للحق تبارك وتعالى لا تُؤخَذ على حقيقتها؛ لأن هَيِّن وأهوَنَ تقتضي صعب وأصعب، وهذه مسائل تناسب فِعْلَ الإنسان في معالجته للأشياء على قَدْر طاقته وإمكاناته، أما بالنسبة للخالق سبحانه فليس عنده هَيِّن وأهون منه؛ لأنه سبحانه لا يفعل الأفعال مُعَالجةً، ولا يزاولها، وإنما بقوله تعالى (كُنْ).
فالحق سبحانه يخاطبنا على قَدْر عقولنا، فقوله: ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾ [مريم: ٢١] أي: بمنطقكم أنتم إنْ كنت قد خَلقْتكم من غير شيء، فإعادتكم من شيء موجود أمر هَيِّن.
ثم يقول تعالى: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾ [مريم: ٢١].
هل كان الغرض من خَلْق عيسى عليه السلام على هذه الصورة أن يُظهِر الحق سبحانه قدرته في الخلق وطلاقة قدرته فقط؟ لا، بل هناك هدف آخر ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ﴾ [مريم: ٢١] أي: أمراً عجيباً، يخرج عن مألوف العادة والأسباب، كما نقول: هذا آية في الحُسْن، آية في الذكاء، فالآية لا تُقال إلا للشيء الذي يخرج عن معتاد التناول.
والآية هنا أن الخالق تبارك وتعالى كما خلق آدم عليه السلام من غير أب أو أم، وخلق حواء من غير أم، خلق عيسى عليه السلام من أم دون أب، ثم يخلقكم جميعاً من أب وأم، وقد يوجد الأب والأم ولا يريد الله لهما فيجعل مَنْ يشاء عقيماً.