الآية، كيف يقول سبحانه (أَتَى) بصيغة الماضي، ثم يقول: ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١] أي: في المستقبل؟ نقول: لأن قوله تعالى: (أتَى) فهذه قضية منتهية لا شكّ فيها ولا جدالَ، فليس هناك قوة أخرى تعارضها أو تمنع حدوثها؛ لذلك جاءت بصيغة الماضي وهي في الواقع أمر مستقبل.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿فَحَمَلَتْهُ فانتبذت بِهِ﴾
(فَحَملتْهُ) أي: حملتْ به على الحذف والإيصال، والحمل يقتضي حاملاً ومحمولاً. ﴿فانتبذت بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً﴾ [مريم: ٢٢] لا تظن أن هذه اللقطة من القصة لقطةٌ مُعَادة، فالانتباذ الأول كان للخلوة للعبادة، وهنا ﴿فانتبذت بِهِ﴾ [مريم: ٢٢] أي: ابتعدتْ عن القوم لما أحسَّتْ بالحمل، وخشيت أعيُنَ الناس وفضولهم فخرجتْ إلى مكان بعيد.
﴿فَأَجَآءَهَا﴾ [مريم: ٢٣] الفعل جاء فلان. أي: باختياره ورِضَاه، إنما إجاءه فلان أي جاء به رغماً عنه ودون إرادته، فكأن المخاض هو الذي ألجأها إلى جِذْع النخلة وحملها على الذهاب إلى هذا المكان رَغْماً عنها ﴿فَأَجَآءَهَا﴾ [مريم: ٢٣] أي: جاء بها، فكأن هناك قوة خارجة عنها تشدُّها إلى هذا المكان.