الأمر بالانتفاع قال: ﴿فَكُلِي واشربي﴾ [مريم: ٢٦] فبدأ بالطعام قبل الشراب، لماذا؟ لأن الإنسان عادةً يأكل أولاً، ثم يشرب، فالماء مع أهميته، إلا أنه يأتي في العادة بعد الطعام، فسبحان مَنْ هذا كلامه.
وقوله: ﴿وَقَرِّي عَيْناً﴾ [مريم: ٢٦] بعد أن وفَّر لها الحق سبحانه الطعام والشراب الذي هو قِوَام المادة، وبه يتم استبقاء الحياة، لكن بعد الطعام والشراب يبقى لديها حُزْن عميق وألم وحَيْرة مِمَّا هي فيه؛ لذلك يعطيها ربها تبارك وتعالى بعد القوت الذي هو قوام المادة يعطيها السكينة والطمأنينة ويُخفِّف عنها ألم النفس وحَيْرة الفؤاد.
﴿وَقَرِّي عَيْناً﴾ [مريم: ٢٦] قرّي: أي: اسكني. وهذا التعبير عند العرب كناية عن السرور، ومنه قوله تعالى على لسان امرأة فرعون: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩].
والعرب تعبر بِقُرَّة العين وسكونها عن السرور؛ لأن سكون العين على مَرأَىً واحد لا تتحول عنه دليلٌ على أن العين صادفت مرأى جميلاً تسعد به وتُسَرُّ فلا يُغني عنه مَرأْىً آخر، فتظل ساكنة عليه لا تتحرك عنه.
وقد يستعمل هذه التعبير في المقابل أي: في الشر والدعاء على إنسان وتمني الشر له، كالمرأة التي دخلتْ على أحد الخلفاء فنهرَها فقالت له: أتمَّ الله عليك نعمته وأقرَّ عينك. فظنَّ الحضور أنها تدعو له، لكنه فَطِن لمرادها، فقال لجلسائه: ما فهمتم ما تقول، إنها