لذلك لما سأل بعض المستشرقين الإمام محمد عبده رَحِمَهُ اللَّهُ في باريس: بأيِّ وجه قابلتْ عائشة قومها بعد حديث الإفْكِ؟ سبحان الله إنهم يعلمون أنه إفْكٌ وباطل، لكنهم يرددونه كأنهم لا يفهمون.
فأجاب الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ ببساطة: بالوجه الذي قابلتْ به مريم قومها وهي تحمل وليدها. أي: بوجه الواثق من البراءة، المطمئن إلى تأييد الله، وأنه سبحانه لن يُسْلِمها أبداً؛ لذلك لما نزلتْ براءة عائشة في كتاب الله قالوا لها: اشكري النبي، فقالت: بل أشكر الله الذي برأني من فوق سبع سموات.
فلما رآها القوم على هذه الحال قالوا فيها قولاً غليظاً: ﴿يامريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً﴾ [مريم: ٢٧] فرياً: الفَرْيُ للجلد: تقطيعه، والأمر الفري: الذي يقطع معتاداً عند الناس فليس له مثيل، أو من الفِرْية وهو تعمد الكذب.
ثم قالوا لها: ﴿ياأخت هَارُونَ مَا كَانَ﴾
قولهم لمريم: ﴿ياأخت هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨] هذا كلام جارح وتقريع ومبالغة منهم في تعييرها، فنسبوها إلى هارون الذي سُمِّي