نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} [مريم: ٢٩] ونلاحظ في قولهم أنهم لم يستبعدوا أنْ يتكلّمَ الوليد، فلم يقولوا: كيف يتكلم مَنْ كان في المهد صبياً؟ بل قالوا: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ﴾ [مريم: ٢٩] أي: نحن، فاستبعدوا أنْ يكلموه، فكأنهم يطعنون في أنفسهم وفي قدرتهم على فَهْم الوليد إنْ كلَّمهم.
والمهد: هو المكان الممهد المعَدّ لنوم الطفل، لأن الوليد لا يقدر أن يبعد الأذى عن نفسه، فالكبير مثلاً يستطيع أنْ يُمهد لنفسه مكان نومه، وأن يُخرِج منه ما يُؤرِّق نومه وراحته، وعنده وَعْي، فإذا آلمه شيء في نومه يستطيع أنْ يتحلَّل من الحالة التي هو عليها، وينظر ماذا يؤلمه.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله﴾
وكأنه قال للقوم: لا تتكلموا أنتم، أنا الذي سأتكلم. ثم بادرهم بالكلام: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله﴾ [مريم: ٣٠] وهكذا استهلّ عيسى عليه السلام كلامه بإظهار عبوديته لله تعالى، وفي هذه دليل على أنه قد يُقال فيه أنه ليس عبداً، وأنه إله أو شريك للإله.
لذلك كانت أو كلمة نطق بها ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله﴾ [مريم: ٣٠] فالمعجزة التي جاءتْ بي لا تمنع كَوْني عبداً لله؛ لذلك لو سألتَ الذين يعتقدون في عيسى عليه السلام أنه إله أو شريك للإله: إنكم تقولون أنه تكلّم في المهد، فماذا قال؟ فلا يعترفون بقوله أبداً؛ لأن قوله ونُطْقه: ﴿إِنِّي عَبْدُ الله﴾ [مريم: ٣٠] ينفي معتقدهم من أساسه.
ليس هذا وفقط، بل: ﴿آتَانِيَ الكتاب﴾ [مريم: ٣٠] لكن كيف