ثم يقول الحق سبحانه: ﴿إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يخشى﴾
أي: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وإنما أنزلناه (تذكرةً) أي تذكيراً (لمَنْ يَخْشَى) الخشية: خَوْف بمهابة؛ لأن الخوفَ قد يكون خوفاً دون مهابة، أمّا الخوف من الله فخوْف ومهابة معاً.
تنزيلاً: مصدر أي: أنزلناه تنزيلاً، وقد ورد في نزول القرآن: أنزلناه، ونزلناه ونزل، يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا﴾ [القدر: ١٤].
لأن القرآن أخذ أدواراً عِدَّة في النزول، فقد كان في اللوح المحفوظ، فأراد الله له أن يباشر القرآن مهمته في الوجود، فأنزله من اللوح المحفوظ مرة واحدة إلى السماء الدنيا. فأنزله أي الله تعالى ثم تَنزَّل مُفرَّقاً حسْب الأحداث من السماء الدنيا على قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والذي نزل به جبريل: ﴿نَزَلَ بِهِ الروح الأمين﴾ [الشعراء: ١٩٣].
وقوله تعالى: ﴿مِّمَّنْ خَلَقَ الأرض والسماوات العلى﴾ [طه: ٤].
خَصَّ السموات والأرض، لأنها من أعظم خَلْق الله، وقد أعدهما الله ليستقبلا الإنسان، فالإنسان طرأ على كَوْن مُعَدٍّ جاهز لاستقباله، فكان عليه ساعة أنْ يرى هذا الكون المُعدَّ لخدمته بأرضه وسمائه، ولا قدرة له على تسيير شيء منها، كان عليه أن يُعمِلَ عقله،