وموسى عليه السلام مع ما تميَّز به أخوه هارون عليه من هذه الصفات لم يحقد على أخيه، ولم ينظر إليه على أنه أفضل منه، إنما جعل صفات أخيه مكملة لصفاته، والجميع من أجل أداء الرسالة وتبليغها على وجهها الأكمل، فلم ينظر إلى نفسه ونجاحه هو، وإنما إلى نجاح المهمة التي كلّفه الله بها.
ويجب أنْ يشيعَ هذا الخُلق بين الناس، فإنْ رأيت خَصْلةَ خَيْر في غيرك، أو وجهاً من وجوه الكمال في غيرك، فاحمد الله عليها، واعلم أنها سيعود عليك نفعها، وستجبر ما عندك من نقص فلا تحقد عليه؛ لأنه سيتحمل ما فيك من قصور، وتنتفع أنت بخيره.
ثم يقول الحق سبحانه أن موسى عليه السلام قال: ﴿اشدد بِهِ أَزْرِي﴾
الأَزْر: القوة. وكأن موسى عليه السلام عرف أن حَمْل الرسالة إلى فرعون وإلى قومه من بعده عملية شاقة، فقال لله: أعطني أخي يساعدني في هذه المشقة.
قوله: (وَأشْرِكْهُ) أي: أنت يا ربّ، ليس أنا الذي أشركه تفضُّلاً مني عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يكون الفضل من الله، وأن يكون التكليف أيضاً من الله حتى لا يعترض هارون أو يتضجر عند مباشرة أمر الدعوة.
لذلك لما ذَهَبا إلى فرعون قالا: ﴿إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧] ولم يقُلْ موسى: إن هارون تابع له بل هو مثله تماماً مُرْسَل من الله، وإذا تكلَّم موسى تكلَّم عنه وعن هارون.