وفي مدين تعرّف على شعيب عليه السلام، وتزوج من ابنته وأنجب منها ولداً، وموسى في هذا كله غريب عن وطنه، بعيد عن أمه، فلما أراد الله له الرسالة شَوَّقه إلى وطنه ورؤية أمه، وقَدَّر له العودة؛ فقال تعالى: ﴿ثُمَّ جِئْتَ على قَدَرٍ ياموسى﴾ [طه: ٤٠].
أي: على قَدَر من اصطفائك، فقَدَر الله هو الذي حرَّك في قلبك الشوق للعودة، وحملك على أنْ تمشي في الطريق غير المأهول، وتتحمل مشقة البرد وعناء السفر، قَدَر الله هو الذي حرّك فيك خاطر الشوق لأمك، ففي طريق العودة وفي طُوىً أنت على موعد مع الاصطفاء والرسالة.
لذلك، فإن الشاعر الذي مدح الخليفة قال له:
جاء الخِلاَفَةَ أوْ كانتْ لَهُ قَدَراً | كَما أتَى ربَّه مُوسَى عَلَى قَدَرِ |
أي: نجّيْتك وحافظت عليك؛ لأنني أُعِدُّك لمهمة عندي، هي إرسالك رسولاً بمنهجي إلى فرعون وإلى قومك.
وقد حاول العلماء إحصاء المطالب التي طلبها موسى عليه السلام من ربه فوجدوها ثمانية: ﴿قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لي أَمْرِي واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشدد بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً﴾ [طه: ٢٥٣٤].