فأنا الذي أرسلتُ، وأنا الذي أيدتُ بالمعجزات، وأنا الذي أرعاكما وأرقبكما، وأنا الذي سأجازيكما فلا يَغبْ ذلك عنكما.
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿اذهبآ إلى فِرْعَوْنَ﴾
وهل هناك طغيان فوق ادعاء أنه رَبٌّ؟ وقد قال تعالى في موضع آخر: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأرض وَإِنَّهُ لَمِنَ المسرفين﴾ [يونس: ٨٣] والمسرف: هو الذي يتجاوز الحدود، وهو قد تجاوز في إسرافه وادَّعى الألوهية، فعَلاَ في الأرض علوَّ طاغية من البشر على غيره من البشر المستضعفين.
هذا لفرعون بعد أنْ طغى، ومن الذي حكم عليه بالطغيان؟ حين تحكم أنت عليه بالطغيان فهو طغيان يناسب قدرات وإمكانات البشر، أمّا أن يقول عنه الحق تبارك وتعالى ﴿إِنَّهُ طغى﴾ [طه: ٤٣] فلا بُدَّ أنه تجاوز كل الحدود، وبلغ قمة الطغيان، فربُّنا هو الذي يقول.
فقوله: ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً﴾ [طه: ٤٤] فلا بُدَّ أنْ تعطيه فُسْحة كي يرى حُجَجك وآياتك، ولا تبادره بعنف وغِلْضة، وقالوا: النصح ثقيل، فلا ترسله جبلاً، ولا تجعله جدلاً، ولا تجمع على المنصوح شدتين: أنْ تُخرِجه مما ألف بما يكره، بل تُخرِجه مما ألِف بما يحب.
وهذا منهج في الدعوة واضح وثابت، كما في قوله تعالى: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ [النحل: ١٢٥].