وكان القاضي لا يقضي بأمر الخراج إلا بعد أنْ يطّلع على مقياس النيل، فإنْ رآه يُوفي بريٍّ البلاد حدَّد الخراج وإلاَّ فلا.
لكن، لماذا اختار موسى هذه اليوم بالذات؟ لماذا لم يحدد أي يوم آخر؟ ذلك؛ لأن موسى عليه السلام كان على ثقة تامة بنصر الله له، ويريد أن تكون فضيحة فرعون على هذا الملأ، ووسط هذه الجمع، فمِثْل هذا التجمع فرصة لا يضيعها موسى؛ لأن النفس في هذا اليوم تكون مسرورة منبسطة، فهي أقرب في السرور لقبول الحق من أيٍّ وقت آخر.
وقوله: ﴿وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] أي: ضاحين، ويوم الزينة يمكن أن يكون في الصباح الباكر، أو في آخر النهار، لكن موسى متمكِّن واثق من الفوز، يريد أن يتم هذا اللقاء في وضح النهار، حتى يشهده الجميع.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ﴾
تولى: أي: ترك موسى وانصرف ليُدبِّر شأنه ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ [طه: ٦٠] الكيد: التدبير الخفي للخَصْم، والتدبير الخفيّ هنا ليس دليلَ قوة، بل دليل ضَعْف؛ لأنه قوةَ له على المجابهة الواضحة، مثل الذي يدسُّ السُّم للآخر لعدم قدرته على مواجهته.
إذن: الكيد دليل ضَعْف؛ لذلك نفهم من قوله تعالى عن النساء: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨] أنه ليس دليلاً على قوة المرأة، إنما دليلٌ على ضعفها، فكما أن كيدهُنّ عظيم، فكذلك ضعفُهن عظيم.
فمعنى ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ [طه: ٦٠] أدار فِكْره على ألوان الكَيْد


الصفحة التالية
Icon