هذا الذي يناسب قدرة البشر. أما الحق سبحانه فيملك زمام الأشياء وتوجيهها، وكلّ شيء مرهون بأمره التكويني، فإنْ قال للأمر المستقبل: أتى أو اقترب فصدِّق؛ لأنه لا شيء يُخرج الأمر عن مراده تعالى، وهو وحده الذي يملك الانفعال لكلمة كُنْ، فإنْ قالها فَقد انتهتْ المسألة.
لذلك يقول سبحانه: ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ... ﴾ [الأنبياء: ١] بصيغة الماضي ولم يقل: يقترب أو سيقترب؛ لأن المتكلم هو الله.
وقد ورد الماضي (قترب) أيضاً في قوله تعالى: ﴿اقتربت الساعة وانشق القمر﴾ [القمر: ١].
وفي قوله تعالى ﴿واسجد واقترب﴾ [العلق: ١٩] فاقترب غير قَرُب، قرُب: يعني دنا، أما اقترب أي: دنا جداً حتى صار قريباً منك.
والحساب: كلمة تُطلَق إطلاقات عِدّة، فالحساب أنْ تحسب الشيء بالأعداد جمعاً، أو طرحاً، أو ضَرْباً، وتدير حصيلة لك أو عليك، فإنْ كانت لك فأنت دائن، وإنْ كانت عليك فأنت مدين.
أو تربط المسبِّبات بأسبابها.
وهناك أمور تأتي بغير حساب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: ٣٧] فهذه مسألة لا تستطيع ضبطها، والله لا يُسأل: أعطاني زيادة أم نقصاناً.
أما الحساب في ﴿اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ... ﴾ [الأنبياء: ١] فيقتضي مُحَاسباً هو الله عَزَّ وَجَلَّ، ومُحاسَباً هم الناس، ومُحَاسَباً عليه وهي الأعمال والأحداث التي أحدثوها في دنياهم، وهذه قسمان: قسم قبل أنْ يُكلَّفوا، وقسم بعد أن كُلِّفوا.