لذلك قال: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا... ﴾ [الأنبياء: ١١] وكم هنا خبرية تفيد الكثرة التي لا تُعَدُّ، فأحذروا إنْ لويتُم أعناقكم أَنْ يُنزِل بكم ما نزل بهم.
وقوله: ﴿وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: ١١] أي: خَلف بعدهم خَلْف آخرون. ﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ... ﴾.
أي: حين أحسُّوا العذاب ﴿إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [الأنبياء: ١٢] حتى لا يلحقهم العذاب. والركْضُ: الجَرْى السريع بهَرْولة، والأصل فيه: رَكْضُ الدابة. يعني: ضَرْبها برِجلْه كي تُسرع. ومنها: ﴿اركض بِرِجْلِكَ... ﴾ [ص: ٤٢] يعني: اضرب الأرض برِجلْك لِتُخرج الماء ﴿هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: ٤٢].
وفي هذه الآية مَلْمحٌ من ملامح الإعجاز القرآني، فقد أصاب أيوبَ عليه السلام مرضٌ في جلده، وأراد له ربُّه - عَزَّ وَجَلَّ - الشفاء. فقال له: اضرب الأرض برِجْلك تُخرج لك ماءً بارداً، منه مُغْتَسل ومنه شراب، فالماء هنا دواء يعالج أمرين: يعالج الظاهر والباطن.
وآفةُ المعالجين أنهم إذا رأوا مثلاً البثور والدمامل في الجلد يعالجونها بالمراهم التي يندمِلُ معها الجُرْح، لكنها لا تعالج أسباب الظاهرة من الداخل، أما العلاج الإلهي فمغتسلٌ لعلاج الظاهرة، وشرابٌ لعلاج أسباب الظاهرة في الجوف.


الصفحة التالية
Icon