البُؤْس أو الشقاء؟ الإنسان لا ينادي إلا على ما يُفرِح.
فالمعنى: يا ويلتي تعالى، فهذا أوانك، فلن يشفيه من الماضي إلا أنْ يتحسَّر عليه، ويندم على ما كان منه. فالآن يتحسَّرون، الآن يعلمون أنهم يستحقون العذاب ويلومون أنفسهم.
﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] ظالمين لأنفسنا بظلمنا لربنا في أننا كفرنا به، كما قال في آية أُخْرى: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحسرتا على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله... ﴾ [الزمر: ٥٦].
قوله تعالى: ﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ... ﴾ [الأنبياء: ١٥] أي: قولهم: ﴿قَالُواْ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] فلم يقولوها مرة واحدة سرقة عواطف مثلاً، إنما كانت ديدنهم، وأخذوها تسبيحاً: يا ويلنا إنا كنا ظالمين، يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فلا شيءَ يشفي صدورهم إلا هذه الكلمة يُردِّدونها. كما يجلس المرجم يُعزِّي نفسه نادماً يقول: أنا مُخطيء، أنا أستحق السجن، أنا كذا وكذا.
وقوله تعالى: ﴿حتى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] الحصيد: أي المحصود وهو الزرْع بعد جمعه ﴿خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] الخمود من أوصاف النار بعد أنْ كانت مُتأجِّجة مشتعلة ملتهبة صارت خامدة، ثم تصير تراباً وتذهب حرارتها. كأن الحق - سبحانه وتعالى - يشير إلى حرارتهم في عداء الرسول وجَدَلهم وعنادهم معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وقد خمدتْ هذه النار وصارتْ تراباً.