نقول: الحكمة من هذا أنْ تتم الابتلاءات، والناس لا نتعشق الحق إلا إذا رأتْ بشاعة الباطل، ولا تعرف منزلة العدل إلا حين ترى بشاعة الظلم، وبضدها تتميز الأشياء، كما قال الشاعر:
فَالوجْهُ مِثْلُ الصبُّحْ مُبيضٌ... وَالشَّعْر مِثْلُ الليْلِ مُسْودُ
ضِدَّان لَمَّا استْجمْعاً حَسْناً... والضِّدُّ يُظهِرُ حُسْنَه الضِّدُ
إذن: لا نعرف جمال الحق إلا بقُبْح الباطل، ولا حلاوة الإيمان إلا بمرارة الكفر. ﴿وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض... ﴾.
سبق أن أخبر الحق سبحانه أنه خلق السماء والأرض وما بينهما، وهذا ظَرْف، فما المظروف فيه؟ المظروف فيه هم الخَلْق، وهم أيضاً لله: ﴿وَلَهُ مَن فِي السماوات والأرض... ﴾ [الأنبياء: ١٩] وإنْ كان من الخَلْق مَنْ ميَّزه الله بالاختيار يؤمن أو يكفر، يطيع أو يعصي، فإنْ كان مختاراً في أمور التكليف فهو مقهورة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا... ﴾ [الأحزاب: ٧٢].