ثم يقول الحق سبحانه: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ... ﴾.
الكلام هنا عن العباد المكرمين من الملائكة، فَمَع أن الله أكرمهم وفضَّلهم، إلا أنه لم يتركهم دون متابعة ومراقبة، إنما يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولم تُترك لهم مسألة الشفاعة يُدخلون فيها مَنْ أحبوا إنما ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى... ﴾ [الأنبياء: ٢٨].
أي: لمن ارتضاه الله وأحبه، فإياكم أنْ تفهموا أنكم حين تقولون: الملائكة بنات الله، أو تعبدونهم من دون الله أنهم يكونون لكم شفعاء عند الله؛ لأنهم لا يشفعون إلا لمنْ أحبّه الله، وارتضاه من أهل الإيمان، فلا تظن أنهم ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] أي: مُدلَّلُون يفعلون ما يحلو لهم، لا، إنهم مع ذلك ملتزمون بحدودهم لا يتعدونها، فما أكرمتهم كل هذا الإكرام إلا لأنهم مطيعون ملتزمون.
وهم مع هذه الطاعة ﴿مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨] فليسوا مع هذا الإكرام مطمئنين آمنين، بل مشفقون خائفون وجلون من خشية الله ولذلك يقول الحق سبحانه: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ... ﴾.