يقول الحق سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأرض... ﴾.
الرواسي: الجبال جمع رَاس يعني: ثابت، وقد عبر عنها أيضاً بالأوتاد، فقال: ﴿والجبال أَوْتَاداً﴾ [النبأ: ٧] شبّه الجبال بالنسبة للأرض بالأوتاد بالنسبة للخيمة.
ثم يذكر عِلَّة ذلك: ﴿أَن تَمِيدَ بِهِمْ... ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي: مخافة أن تميل وتضطرب وتتحرك بهم، ولو أنها مخلوقة على هيئة الثبوت ما كانت لتميد أو تتحرك، وما احتاجت لأن يُثبِّتها بالجبال؛ لذلك قال تعالى: ﴿وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب... ﴾ [النمل: ٨٨].
فليس غريباً الآن أن نعرف أن للجبال حركة، وأنْ كنا لا نراها؛ لأنها ثابتة بالنسبة لموقعك منها؛ لأنك تسير بنفس حركة سيرها، كما لو أنك وصاحبك في مركب، والمركب تسير بكما، فأنت لا تدرك حركة صاحبك لأنك تتحرك بنفس حركته.
وقد شبَّه الله حركة الجبال بمرِّ السحاب، فالسحاب لا يمرُّ بحركة ذاتية فيه، إنما يمرُّ بدفْع الرياح، كذلك الجبال لا تمرُّ بحركة ذاتية إنما بحركة الأرض كلها، وهذا دليل واضح على حركة الأرض.
ثم يقول تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً... ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي من حكمة الله أنْ جعل لنا في الأرض سُبُلاً نسير فيها، فلو أن الجبال كانت كتلة تملأ وجه الأرض ما صَلُحَتْ لحياة البشر وحركتهم