فقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد... ﴾ [الأنبياء: ٣٤] فأنت كغيرك من البشر قبلك، أما مَنْ بعدك فلن يخلدوا بعد موت ﴿أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون﴾ [الأنبياء: ٣٤] فلا يفرحوا بموتك؛ لأنهم ليسوا خالدين من بعدك. ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم... ﴾.
إذن: فالموت قضية كونية عامة، وهي في حقيقتها خَيْر، فإنْ كانوا أخياراً نُعجِّل لهم جزاءهم عند الله، وإنْ كانوا أشراراً فقد أراحَ اللهُ منهم البلاد والعباد.
لكن، كيف يُذَاق الموت؟ الذَّوْق هنا يعني إحساسَ الإنسان بالألم من الموت، فإنْ مات فعلاً يستحيل أن يذوق، أما قبل أن يموت فيذوق مقدمات الموت، والشاعر يقول:
وَالأَسَى بَعْد فُرْقَةِ الرُّوحِ عَجْزٌ | وَالأسَى لاَ يكُونُ قَبْل الفِرَاقِ |
فالمراد - إذن - ذائقةٌ مقدمات الموت، التي يعرف بها أنه ميت، فالإنسان مهما كان صحيحاً لا بُدّ أنْ يأتي عليه وقت يدرك أنه لا محالةَ ميت، ذلك إذا بلغت الروح الحلقوم، كما قال تعالى: ﴿كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق﴾ [القيامة: ٢٦ - ٢٨] فالموت في هذه الحالة أمر مقطوع به.
ثم يقول سبحانه: ﴿وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً... ﴾ [الأنبياء: ٣٥] أي: نختبركم، والإبتلاء لا يُذَمُّ في ذاته، إنما تذم غية الابتلاء: